سأعتبر نفسى ناجحاً، إذا تمكنت من انتزاع ابتسامتين من قارئ واحد، أولاهما ضحكاً منى فى بداية هذا المقال، وثانيتهما ضحكة معى فى نهايته. وسيدرك القارئ الصبور أن ما بين الضحكتين أو البسمتين شأن جاد، فالدعوة إلى المتعة بوصفها طريقاً إلى الحرية، ليست دعوة هزلية.
وأنا أدين لكاتب لا أعرفه كتب فيلماً عن حرب فيتنام، لا أذكر عنوانه، بعبارة بديعة تقول «إن الانتصارات الكبيرة يتم إحرازها فى القلوب وليس على هذه الأرض أو تلك».
وبالقياس فإن الهزائم الكبرى تقع فى القلوب وليس على هذه الأرض أو تلك.
ومن يتأمل الرثاثة التى صرنا عليها، وتفريطنا فى فرص الاستمتاع بالحياة، يدرك أن الهزيمة التى لم يستطع الأعداء أن يوقعوها بالمصريين أوقعها الفساد، الذى ملأ القلوب بالحزن والوجوه بالتعاسة والمكان بالقبح ووسم الحياة بثقل غير محتمل.
شعب بالكامل مهزوم وحزين، باستثناء قلة تحكم وتملك وتُمثل أدوار المنتصرين بمواكب مبتهجة مدججة بالحرس، ننتظر مرورها مكرهين فنزداد تعاسة على تعاستنا، هل هم سعداء حقيقة؟!
الجواب لا يهم، فهم لا يكترثون بنا، ومن حقنا ألا نكترث بهم أو باستعراضات السعادة التى يقهروننا بها؛ فنحن فى الحقيقة تعساء، وينبغى أن ننتبه إلى أحزاننا التى لا يعيها الواحد منا، إلا إذا تعالى على الحالة واعتبر نفسه مراقباً. وهذه دعوة لكل منا أن يصور بعينيه مقطعاً من أى زحام، وينظر إن كان هناك من يبتسم أو تشى ملامحه بالحيوية أو الأمل فى أى مستقبل.
الهزيمة تبدو فى أكتاف الرجال المتهدلة والتفاف الجسد على نفسه توقعاً لصفعة أو خطر الدهس، بينما تبدو الهزيمة فى أجساد النساء من خلال الإهمال الشديد للملبس وللرشاقة فى الجسد والخطوة.
كلا الجنسين يمضى ببطء وتهدم، وكأنه يتمنى أن تدوم حالة الزحف لأخر العمر، لا يريد أن يتوجه إلى عمل أو يعود إلى بيت.
باختصار، أصبحنا نواصل الحياة كورطة لا نستطيع الخروج منها، فقط لمجرد أننا شعب متدين لا يقبل الانتحار.
فاضت الهزيمة من القلوب لتغمر الأجساد، إلى الحد الذى يجعلها غير قادرة على المقاومة.
وهذا الذى أدعيه ليس حصيلة تأمل نظرى، بل نتيجة رهان فلترةبته من الشاعر الرومانى الكبير شيزار إيفينسكو، وقد سامحته فى الدين لأنه مات العام الماضى!
الشاعر الذى عرفته منذ منتصف التسعينيات، كان ساخطاً على أوضاع بلاده التى تهاوت فيها الشيوعية بسهولة كما يتقوض بيت العنكبوت، لكنها خسرت الخبز ولم تفلترةب الحرية.
وذات سهرة فى بيته ببوخارست راهنته على أنهم سيلتحقون بالديمقراطية الحقيقية بأسرع منا، نحن الذين بدأنا تجربتنا المسرحية الديمقراطية أبكر منهم بعقد ونصف من الزمان، وسألنى عن سر اليقين الذى جعلنى أراهنه، قلت له ضاحكاً: الحرية الجنسية!
لم تكن نكتة، كما أنها ليست دعوة للحرية الجنسية فى مصر، لكننى ذكرتها بوصفها الحد الأقصى لتحرر الجسد، وهذا إقرار لواقع، بعيداً عن الحكم الأخلاقى، حيث تمضى الحياة فى سياقات وأنساق، ولا يمكن للجسد الحر أن يظل مقموعاً سياسياً، بل إن نسق الحرية سرعان ما يكتمل ويصبح سياقاً عاماً.
وأظن أن هذا ما حدث فى الدول الخارجة من الشيوعية كلها، وقد مضت فى خط مستقيم إلى الأمام، لأنها خضعت للتكميم السياسى من دون أن تحرمها الشيوعية من المسارح والموسيقى والغناء والحدائق الواسعة (بلاه الجنس!) بينما تجبر الرثاثة وافتقاد حيوية الحياة زماننا على السير فى دوائر، ونكتشف أننا فى ذات المكان كل مرة، ونعيد مناقشة ما حسمناه منذ مائة عام!
هل كان القضاء على فرص المتعة مخططاً أم خبط عشواء طبيعى من نظام أهمل واجباته الأساسية فى التعليم والعلاج والتوظيف؟
أياً كان الجواب، فإن إغلاق أبواب الخفة فى الحياة لم يقف عند حدود إهمال الحدائق وتشويه الشوارع ورفع أسعار الدخول فى السينما والمسرح، بل تعداه إلى ترك المواطن فريسة لمقدمى الخدمات فى المطاعم والمقاهى والحدائق، الذين قاموا بتسعير خدماتهم، بأضعاف أسعارها فى الدول الغنية التى يزيد دخل المواطن فيها عشرين مرة عن دخل المصري، والأسوأ من السعر هو مستوى النظافة الذى تقدم به هذه الخدمات، وبيننا من قبل بهذه المعاملة، وبيننا من استغنى عن حقه فى لحظة راحة يحصل عليها بسعر معقول.
لأننا تعايشنا مع فساد ورثاثة السلطة، قبلنا بسهولة فساد ورثاثة القطاع الخاص، أى قبلنا فسادنا الذاتى ورثاثتنا التى لم نعد، حتى، نحس بها.
وإن كان لدينا أى أمل أو شوق إلى تغيير السلطة، فلا بد أن نعى الفساد والرثاثة الخاصة. وليس سراً أن مطاعمنا صارت الأسوأ بين مطاعم العالم، الفاخر منها والشعبى، وإذا كان المالك أو العامل فى المطعم لا يعى ذلك فينبغى أن تكون لدينا القدرة على مقاطعته لفرض مستوى آدمى من النظافة وحسن التقديم.
ومن شاء سوء أو حسن حظه أن يرى شعوباً أخرى، سيعرف أننا أدمنا المعاملة غير الحسنة، بينما هناك شعوب أخرى، لديها مثل ما لدينا من فقر ومشكلات، لكنها تتمسك بثقافة الاستمتاع، وتصر على حصتها من البهجة مهما كانت قسوة ظروفها.
ومع ذلك يمكننا، إذا وعينا بخطورة حزننا، أن نمارس تمرينات خاصة على الفرح، وأن يتمسك الواحد منا بحصته من المتعة، ولو بكوب شاى فى حديقة صغيرة أو جزيرة خضراء وسط شارع صاخب، لأن أرواحنا لن تتحرر قبل أن تتحرر أجسادنا، ولن نقوى على مجاهدة الاستبداد إذا لم نتمرن على محاربة الهم، وها أنا أبدأ بنفسى وأبتسم.
ابتسموا من فضلكم!
بقلم عزت القمحاوى
وأنا أدين لكاتب لا أعرفه كتب فيلماً عن حرب فيتنام، لا أذكر عنوانه، بعبارة بديعة تقول «إن الانتصارات الكبيرة يتم إحرازها فى القلوب وليس على هذه الأرض أو تلك».
وبالقياس فإن الهزائم الكبرى تقع فى القلوب وليس على هذه الأرض أو تلك.
ومن يتأمل الرثاثة التى صرنا عليها، وتفريطنا فى فرص الاستمتاع بالحياة، يدرك أن الهزيمة التى لم يستطع الأعداء أن يوقعوها بالمصريين أوقعها الفساد، الذى ملأ القلوب بالحزن والوجوه بالتعاسة والمكان بالقبح ووسم الحياة بثقل غير محتمل.
شعب بالكامل مهزوم وحزين، باستثناء قلة تحكم وتملك وتُمثل أدوار المنتصرين بمواكب مبتهجة مدججة بالحرس، ننتظر مرورها مكرهين فنزداد تعاسة على تعاستنا، هل هم سعداء حقيقة؟!
الجواب لا يهم، فهم لا يكترثون بنا، ومن حقنا ألا نكترث بهم أو باستعراضات السعادة التى يقهروننا بها؛ فنحن فى الحقيقة تعساء، وينبغى أن ننتبه إلى أحزاننا التى لا يعيها الواحد منا، إلا إذا تعالى على الحالة واعتبر نفسه مراقباً. وهذه دعوة لكل منا أن يصور بعينيه مقطعاً من أى زحام، وينظر إن كان هناك من يبتسم أو تشى ملامحه بالحيوية أو الأمل فى أى مستقبل.
الهزيمة تبدو فى أكتاف الرجال المتهدلة والتفاف الجسد على نفسه توقعاً لصفعة أو خطر الدهس، بينما تبدو الهزيمة فى أجساد النساء من خلال الإهمال الشديد للملبس وللرشاقة فى الجسد والخطوة.
كلا الجنسين يمضى ببطء وتهدم، وكأنه يتمنى أن تدوم حالة الزحف لأخر العمر، لا يريد أن يتوجه إلى عمل أو يعود إلى بيت.
باختصار، أصبحنا نواصل الحياة كورطة لا نستطيع الخروج منها، فقط لمجرد أننا شعب متدين لا يقبل الانتحار.
فاضت الهزيمة من القلوب لتغمر الأجساد، إلى الحد الذى يجعلها غير قادرة على المقاومة.
وهذا الذى أدعيه ليس حصيلة تأمل نظرى، بل نتيجة رهان فلترةبته من الشاعر الرومانى الكبير شيزار إيفينسكو، وقد سامحته فى الدين لأنه مات العام الماضى!
الشاعر الذى عرفته منذ منتصف التسعينيات، كان ساخطاً على أوضاع بلاده التى تهاوت فيها الشيوعية بسهولة كما يتقوض بيت العنكبوت، لكنها خسرت الخبز ولم تفلترةب الحرية.
وذات سهرة فى بيته ببوخارست راهنته على أنهم سيلتحقون بالديمقراطية الحقيقية بأسرع منا، نحن الذين بدأنا تجربتنا المسرحية الديمقراطية أبكر منهم بعقد ونصف من الزمان، وسألنى عن سر اليقين الذى جعلنى أراهنه، قلت له ضاحكاً: الحرية الجنسية!
لم تكن نكتة، كما أنها ليست دعوة للحرية الجنسية فى مصر، لكننى ذكرتها بوصفها الحد الأقصى لتحرر الجسد، وهذا إقرار لواقع، بعيداً عن الحكم الأخلاقى، حيث تمضى الحياة فى سياقات وأنساق، ولا يمكن للجسد الحر أن يظل مقموعاً سياسياً، بل إن نسق الحرية سرعان ما يكتمل ويصبح سياقاً عاماً.
وأظن أن هذا ما حدث فى الدول الخارجة من الشيوعية كلها، وقد مضت فى خط مستقيم إلى الأمام، لأنها خضعت للتكميم السياسى من دون أن تحرمها الشيوعية من المسارح والموسيقى والغناء والحدائق الواسعة (بلاه الجنس!) بينما تجبر الرثاثة وافتقاد حيوية الحياة زماننا على السير فى دوائر، ونكتشف أننا فى ذات المكان كل مرة، ونعيد مناقشة ما حسمناه منذ مائة عام!
هل كان القضاء على فرص المتعة مخططاً أم خبط عشواء طبيعى من نظام أهمل واجباته الأساسية فى التعليم والعلاج والتوظيف؟
أياً كان الجواب، فإن إغلاق أبواب الخفة فى الحياة لم يقف عند حدود إهمال الحدائق وتشويه الشوارع ورفع أسعار الدخول فى السينما والمسرح، بل تعداه إلى ترك المواطن فريسة لمقدمى الخدمات فى المطاعم والمقاهى والحدائق، الذين قاموا بتسعير خدماتهم، بأضعاف أسعارها فى الدول الغنية التى يزيد دخل المواطن فيها عشرين مرة عن دخل المصري، والأسوأ من السعر هو مستوى النظافة الذى تقدم به هذه الخدمات، وبيننا من قبل بهذه المعاملة، وبيننا من استغنى عن حقه فى لحظة راحة يحصل عليها بسعر معقول.
لأننا تعايشنا مع فساد ورثاثة السلطة، قبلنا بسهولة فساد ورثاثة القطاع الخاص، أى قبلنا فسادنا الذاتى ورثاثتنا التى لم نعد، حتى، نحس بها.
وإن كان لدينا أى أمل أو شوق إلى تغيير السلطة، فلا بد أن نعى الفساد والرثاثة الخاصة. وليس سراً أن مطاعمنا صارت الأسوأ بين مطاعم العالم، الفاخر منها والشعبى، وإذا كان المالك أو العامل فى المطعم لا يعى ذلك فينبغى أن تكون لدينا القدرة على مقاطعته لفرض مستوى آدمى من النظافة وحسن التقديم.
ومن شاء سوء أو حسن حظه أن يرى شعوباً أخرى، سيعرف أننا أدمنا المعاملة غير الحسنة، بينما هناك شعوب أخرى، لديها مثل ما لدينا من فقر ومشكلات، لكنها تتمسك بثقافة الاستمتاع، وتصر على حصتها من البهجة مهما كانت قسوة ظروفها.
ومع ذلك يمكننا، إذا وعينا بخطورة حزننا، أن نمارس تمرينات خاصة على الفرح، وأن يتمسك الواحد منا بحصته من المتعة، ولو بكوب شاى فى حديقة صغيرة أو جزيرة خضراء وسط شارع صاخب، لأن أرواحنا لن تتحرر قبل أن تتحرر أجسادنا، ولن نقوى على مجاهدة الاستبداد إذا لم نتمرن على محاربة الهم، وها أنا أبدأ بنفسى وأبتسم.
ابتسموا من فضلكم!
بقلم عزت القمحاوى
الأحد نوفمبر 20, 2011 3:03 am من طرف الصادق
» شباب وبنات بلدي
الأربعاء أبريل 06, 2011 12:51 am من طرف Admin
» أول شيخ للأزهر الشريف
الإثنين ديسمبر 20, 2010 11:52 pm من طرف Admin
» ملف كامـــل لاكــــلات { مرضــى الســــكر}
الإثنين ديسمبر 20, 2010 11:26 pm من طرف Admin
» بعد أن يموت البرادعى
الأربعاء يوليو 28, 2010 9:42 pm من طرف Admin
» سمير زاهر:كل أعضاء اتحاد الكرة باعونى-ومستعد لعقد اجتماعات مكثفة لحل أزمة الجزائر-وشوبير لم يساندنى فى محنتى
الأربعاء يوليو 28, 2010 9:36 pm من طرف Admin
» الأهلى يجدد عقد جمعة ..ويقيد أيمن أشرف فى القائمة الأفريقية
الأربعاء يوليو 28, 2010 9:35 pm من طرف Admin
» مرتضى منصور : إدارة الزمالك ضعيفة وشوبير ليس إعلامي وعلى شيكابالا أن يرحل والزمالك كبير أيها التوأم !!
الأربعاء يوليو 28, 2010 9:32 pm من طرف Admin
» أهل الله وخاصته أهل القرآن
الخميس مارس 18, 2010 1:41 pm من طرف سهر